الزلفي الموطن الأصلي لعائلة الجريسي


ارتبط اسم عائلة الجريسي بالزُّلْفِي منذ القِدَم، فهي موطنهم الأصلي، ومنها كان انتشارهم لبلدان وأقطار شتى، قال ابنُ خَمِيس عند ذكرِهِ آل الجريسي: «هي أسرةٌ كريمةٌ تُقِيمُ في بلدةِ "الزُّلْفِي"، وفي بلدةِ "رَغْبَة"، وهم مِنَ الأُسَرِ العريقةِ ذاتِ الآثارِ والأخبار، وقد نَقَلَ ابنُ بِشْر طَرَفًا مِنْ أخبارِ زعيمِ هذه العائلة... الذي هو عليٌّ الجريسيُّ، وكان أميرًا في بلدة "رَغْبَة" .

الجُرَيسِيُّ عِزْوَةُ أَهْل "الزُّلْفِي"

"الزُّلْفِي" في كُتُبِ اللُّغَةِ :
يقولُ ابنُ منظورٍ : الزُّلْفُ والزُّلْفَةُ : القُرْبَة، والدَّرَجَةُ، والمنزلةُ، وأَزْلَفَ الشيءَ : قَرَّبَهُ ؛ قال تعالى : {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ *} [الشعراء: 90] ، أيْ : قُرِّبَتْ ؛ وأصلُ "الزُّلْفَى" في كلامِ العَرَب : القُرْبَى.[(33)]

وذكَرَ الأستاذُ حَمَد الجاسر في «مُعْجَمِهِ الجغرافيِّ» (2/685) ؛ قال : "الزُّلْفِي" : بضمِّ الزاي، وبعضُهم يَكْسِرُها، وإسكانِ اللامِ، وكسرِ الفاءِ، بعدَها ياءٌ مثناةٌ تحتيَّةٌ-: بَلْدَةٌ فيها إمارةٌ من إماراتِ الرياضِ، يَتْبَعُها عددٌ منَ القُرَى.

و "الزُّلْفِي" : مدينةٌ عامرةٌ كبيرةٌ، ذاتُ أسواقٍ تِجاريَّةٍ ونخيلٍ ومزارعَ، وأحياؤها متباعدةٌ نوعًا ما؛ وهي : "العُقْدَة" و "البِلاَد" و "عِلْقَة". ويُلحَقُ بها قُرًى وعُقلٌ؛ فمِن قُراها: "سَمْنَان"، و"الحِيْطَان"، و"عُرَيْعِرَة"، و"السِّيْح"، و"الرَّوْضَة"، و"اللَّغَف"، و"الجَرْدَة"، و"أُمَيَّة الذِّيب" . وحولَ "الزُّلْفِي" مناطقُ؛ مثلُ: "الطَرْغَشَة"، و"قصر سُعُود"، و"الحُطَيَّة"، و"مَرَخ"، و"المُنَيْزِلَة"، و"عُشَيْرَة"، و"مَنْسِيَّة" [(34)].

الموقعُ الجُغْرافيُّ والمِساحةُ :
تقعُ مدينةُ "الزُّلْفِي" شَمَالَ مدينةِ الرياضِ ؛ على مسافةِ 280 كم تقريبًا، وتَتمتَّعُ بموقعٍ جغرافيٍّ مميز، له أهمِّيَّتُهُ التاريخيَّة؛ حيثُ تَحُدُّها بلدةُ الغاطِ جنوبًا، والثُّوَيْرَاتُ شَمَالاً، ومن الغَرْبِ الْمُسْتَوِي، وشرقًا الْمِجْزَلُ، وقاعدةُ المنطقةِ هي "الزُّلْفِي" في الوسطِ، وتبلغ مِسَاحتُها حوالَيْ (6020) كم 2 .

أوَّلُ مَنْ سَكَنَ "الزُّلْفِي" :
تَذْكُرُ الرِّواياتُ التاريخيَّة أنَّ أوَّلَ مَنْ سكَنَ منطقةَ "الزُّلْفِي" هم آلُ محدثٍ مِنْ بني العَنْبَر، مِنْ بني عَمْرٍو، من تَمِيمٍ، وهم المعروفون بآلِ غُدَيَّان، ثم استولى عليها الفراهيد من الأساعدة من الروقة من عُتَيْبة عام 1098هـ. عَدَدُ السُّكَّانِ :

كانتْ تقديراتُ عَدَدِ سُكَّانِ إمارةِ "الزُّلْفِي" عامَ 1396هـ الموافق (1976م): حَوَالَيْ (21.994) نَسَمَة. أما في التعداد السكاني لعام 1425هـ الموافق (2005م) فقد بلغ عددهم (62.904) نَسَمَة، ثم في التعداد الأخير لعام 1431هـ الموافق (2010م) فقد بلغ عدد سكان المُحافَظة (69.294) نَسَمَة.

النَّشَاطُ الاِقتصاديُّ :
تُعتبَرُ مدينةُ "الزُّلْفِي" ذاتَ طابَعٍ زراعيٍّ تجاريٍّ، ويمارسُ سكانُها أعمالاً متنوِّعةً، وتُعْتَبَرُ الزراعةُ مِنْ أَهَمِّ مقوِّماتِ الحياةِ الاقتصاديَّةِ لدى أهالي "الزُّلْفِي" ، وكانوا يُولُونَهَا عنايةً خاصَّةً حَسَبَ ظُروفِهِمْ وإمكاناتِهِمْ، وتكثرُ المزارعُ بالمنطقةِ غربًا وشَمَالاً وجنوبًا، وتَصِلُ إلى حَوَالَيْ (5000) مَزْرَعَةٍ، تُزْرَعُ فيها الحبوبُ بأنواعِها؛ كالقَمْحِ، والشَّعِيرِ، والذُّرَةِ، بالإضافةِ إلى الخُضَرِ بأنواعِها، وكذلك التمورُ بأنواعِها المتعدِّدةِ؛ حيثُ اشتهَرَتِ "الزُّلْفِي" بكثافةِ نَخِيلِهَا.

وتتبوأ التجارةُ المرتبةَ الثانيةَ ضِمْنَ الأنشطةِ الاقتصاديَّةِ لسكانِ "الزُّلْفِي" ؛ فقد اشتهر أهلُ "الزُّلْفِي" بالتِّجَارَةِ كما اشتهروا بالزراعةِ، وكان لأهلِ "الزُّلْفِي" وَلَعٌ بالأَسفارِ يومَ كانتِ الأسفارُ مُغامَرةً بل مخاطرة، فامتدَّتْ رحلاتُهم إلى الكُويتِ والعراقِ وإيرانَ والهندِ وسيلانَ (سيريلانكا)، ورافق بعضُهم عُقَيْلاتِ القَصيم إلى الشامِ ومصرَ، وكانت قوافلُهم تمثل الصلةَ التِّجاريةَ بين شرقِ المملكةِ ووَسَطِها، يومَ كانتِ الجِمالُ وسيلةَ المواصلات المتاحة؛ وفي ذلك يقول أحدُ شعرائِهم:

حِنَّا كَمَا طِيرٍ يِخْفِقْ بِجِنْحَانْ نِرْجِي حَرَاوَى رِزْقِنَا كِلِّ دِيرَهْ

وَالْيَا رَزَقْنَا اللهْ فَلاَحِنْ ببِخْلاَنْ[(35)] مِنْ رِزْقِنَا تُرْزَقْ يِدَينٍ كِثِيرَهْ

"الزُّلْفِي" في عُيونِ الشُّعراءِ الشَّعْبيِّين:
تَغنَّى العديدُ من الشعراءِ بـ "الزُّلْفِي" ، وأشادوا بذِكْرِهَا، وبِرِيَاضِهَا الغَنَّاء، وبمعالِمِها ذاتِ الأصالةِ التي كُلَّما أُطْرِيَتْ فاح عَبِيرُهَا شَذًا طيِّبًا وعطرًا.
يقولُ الشاعرُ عبدُ اللهِ الثُّمَيْرِيُّ :
حَيُّوا مَعِي دَارٍ لَهَا كِلِّ تَقْدِيرْ
الْمَجْدِ خَاطِبْهَا وِكِلٍّ خَطَبْ لُهْ
لَكِنْ بَغَاهَا وِاشْتَهَاهَا عَلَى الْغِيرْ
وِاْسْتَقْبَلَتْ وَابْدَتْ كَثِيرِ الْعَجَبْ لُهْ
وِتْوَافَقُوا ثُمِّ انتِخَوا كِلِّ نِحْرِيرْ
(صِيبِ الْجِرِيسِيْ) عِزْوَةٍ يِحْتِسِبْ لُهْ
نِعِمْ بِهِمْ وِانْ وَاجَهُوا لِلطَّوَابِيرْ
سَرِيَّةٍ مِنْ وَاجَهَتْ لُهْ تِهْبِلُهْ
نِعْمَ الرِّجَالِ بِكُلِّ دَرْبٍ مَسَافِيرْ
كِلِّ الطُّولاَتِ الْعُلاَ مَدِّ حَبْلُهْ
مِنْ غِيرِ تَفْصِيلِ وْمِنْ غِيرِ تَفْسِيرْ
مِنْ زَارِ لِلزُّلْفِي لُزُومِ انْقَلَبْ لُهْ
رَبْعِ لُهُمْ في مَاقَفِّ العِزِّ تَأْثِيرْ
(رَفَّادَةَ) للِّي زَمَانُهْ نَكَبْ لُهْ
مِنْ جَا يِرِيدِ الْخِيرِ يِشْبَعْ مِنِ الْخِيرْ
وِمِنْ جَا بَنِيهِ الشَّرِّ صَارِ العَطَبْ لُهْ
رَفِيقُهُمْ يِشْرَبْ قِرَاحِ الْقَوَاطِيرْ
وِعَدُوُّهُمْ سُمِّ الأَْفَاعِي زَهَبْ لُهْ

الحياةُ الاجتماعيَّةُ في "الزُّلْفِي" :
الحياةُ الاجتماعيةُ في "الزُّلْفِي" يَسُودُها التعاونُ والأُلْفَةُ والمحبَّةُ والصفاءُ، ويَرْتَبِطُ أهالي "الزُّلْفِي" بحبلٍ وثيق من التآلفِ الاجتماعيِّ .. ويَتَّصِفُ ابنُ "الزُّلْفِي" بالكَرَمِ، والشجاعةِ، والمُرُوءةِ، والشَّهَامةِ، والنَّخْوةِ، والوفاءِ.

ويُعتبَرُ الكَرَمُ مِنْ أبرزِ الخِصَالِ الحَمِيدَةِ التي يَتمتَّعُ بها أهلُ "الزُّلْفِي" ، وقد تَغنَّى بها الشعراءُ منذُ قديمِ الزمانِ؛ وفي ذلك يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الرحمنِ الدُّوَيْشُ، يذكُر كَرَمَ الجَرَاسَى :
لاَبَتِي نَسْلِ (الْجِرِيسِيْ) مِشْيِةِ الشُّرُوعْ
نَافِلِينِ جِيلُهُمْ بِالْكَرَمْ هُوَّ وِالظُّفُرْ
وعندما تكاثرتِ الدُّيونُ على الشاعرِ ابنِ جُعَيْثن أحدِ شعراءِ سُدَير، تَوجَّه إلى "الزُّلْفِي" ومدح أهلَها بقصيدةٍ، قال فيها:
أَلاَ يَالرِّجَالَ اهْلَ الْحَمِيَّهْ
اقْضُوا دِينْ عَلَيَّهْ وَاللُّزُومِ
سَقَى اللهْ دَارْهُمْ مِنْ كِلِّ رَايِحْ
تِشُوْفْ نَخِيلْهُمْ حَمَلْهَا رُكُومِ
يِسَيِّلْهُمْ شَتْوِيٍّ وِصِيفِيْ
وِيجَابِ الْفَقْعِ مِنْ رُوسِ الْحُزُومِ
مِنْ عَادَاتْهِمْ طَلَبِ الْمَعَالِي
عَلَى هِجْنٍ يِبُوجِنِ الْحُزُومِ[(36)]
مِنْ عَادَاتْهِمْ فَكِّ الأَسِيرِ
ذَرَى لَهْ مِنْ لَوَاهِيبِ السُّمُومِي
مِنْ عَادَاتْهِمْ عُوْنِ الضَّعِيفِ
إِلَى أَوْجَسْ فِي وُجُودِهِ بِالْعُدُومِ[(37)]
صِحْتِ وِنْخِيْتْ يَا وْلاَدِ الجِرِيسِي
تَرَا أَحْمَدْ[(38)] رَاهِنٍ حَتَّى هُدُومِي
فأوفى عنه أهلُ "الزُّلْفِي" دُيونَهُ وأَجزلوا له العَطيّةَ.

كما سَجَّلَ الشعراءُ شجاعةَ أهلِ "الزُّلْفِي" وإقدامَهُمْ ؛ ومِنْ ذلك ما يقولُهُ عبدُالعزيزِ العُبَيْدِيُّ:
لاَبَتِي مِنْ جَايْبَي الدَّارِ عْيِينَا عَلِيهْ
بُامَّهَاتِ مْشُوكِ نِرْمِيهِ عَجَلاَتِ الْمَشَارِ
لاَتِتَّقَا بِالْمَحَاجِي تِوْرِدْنَا عَلِيهْ
بَهِيَّهٍ يِشْهَدْ لَنَا الْمُوتِ قصَّافِ الْعِمَارِ
لاَ وَقَع بِالقَاعِ بَاقْدَامِنَا دُسْنَا عَلِيهْ
بسَاعَة غَابَتْ بها الشَّمْسِ مِنْ زُودِ الكِرَارِ
ويضيفُ أحمدُ العَلِيُّ :
وهُمْ دِرْعِي وهُمْ عَزْمِي وباسي
وهُمْ سَيْفٍ بِهِ أَضْرِبْ كُلِّ قاسي

هَذِهِ هِيَ "الزُّلْفِي" التي تعودُ إليها أُصُولُ عائلةِ الجريْسِي، تلك المدينةُ التي خَلَّدَتْهَا كُتبُ التاريخِ، وحَفِظَتْ تَضَاريسُهَا مَلاَمِحَ مِنْ قِصَّةٍ عَرِيقةٍ وممتدَّةٍ في أعماقِ الزَّمَنِ، إنها بَلَدٌ يَخْفِقُ بالحُبِّ والمروءةِ والشجاعةِ والنَّجْدةِ والكَرَمِ والرُّجُولةِ منذُ قديمِ الزمانِ.