عُقْدَةُ الجُرَيْسِيّ


هي قَلْعَةٌ حصينةٌ تقَعَ في منطقة الـْجَوّ؛ حيثُ بنيتْ في منطقة فضاءٍ بعيدةٍ عن التجمُّع العُمْرَاني للبلدةِ حينذاك؛ مما يَدُلُّ دلالةً واضحةً على مَنَعَتِهَا وقُوَّةِ تحصينِهَا، وتُنْسَبُ لبانيها عليٍّ الجريسيِّ أميرِ «رَغْبَة»، وهي رباعيَّةُ الشكلِ يُحِيطُ بها سُورٌ مَنِيعٌ يَبْلُغُ طُولُهُ مِنَ الشمالِ 48.82م، ومِنَ الجنوب 58.74م، ومِنَ الشرق 62.24م، ومِنَ الغرب 67.91م، ويَبْلُغُ إجماليُّ مساحتِهَا 5115.95 مترًا مربَّعًا، وللسُّورِ قاعدةٌ يَبْلُغُ عرضُهَا ثلاثةَ أمتار، ثم يَضِيقُ عَرْضُ السورِ تدريجيًّا، وهو مؤلَّفٌ مِنْ ثلاثةِ جُدْرانٍ متوازيةٍ غيرِ متلاصقة، تَـمَّ حَشْو الفراغِ الذي بينها بالرَّمْل، وهي مبنيَّةٌ من عروقِ الطِّينِ التي تُستخدمُ في بناء الأسوار؛ إذْ كانوا يَتْبَعُونَ أسلوبًا خاصًّا في البناء بعروقِ الطِّينِ مما يَزِيدُ في مَنَعَةِ السورِ ويجعلُهُ متينًا صَعْبَ الاختراق.

ولِسُورِ العُقْدَةِ أربعةُ أبراج؛ ففي كُلِّ رَكْنٍ مِنْ أركانها بُرْجٌ مقوَّسُ الشَّكْلِ يَبْلُغُ طُولُهُ ما يَقْرُبُ مِنْ 16.5م، وفي كُلِّ بُرْجٍ عَدَدٌ من الفُتُحَاتِ التي يُرَاقَبُ من خلالها العدوُّ وتُرْصَدُ تَحَرُّكَاتُهُ. وللعُقْدةِ بابٌ في الجهة الغربيَّةِ من السور، يبلُغُ عرضُهُ 3.85م، وقد بُـنِيَ داخلَ العُقْدةِ عددٌ من المباني، يتوسَّطها بئرٌ مضلَّعةٌ رباعيَّةٌ مطويَّةٌ بالحجارةِ يَنْزَحُ المقاتلون المدافعون عن العُقْدةِ منها الماءَ؛ مما يمكِّنهم من الصمودِ بها ورَدِّ كيدِ الأعداءِ المحاصرين لها.

وبالإمعانِ في النَّظَرِ في العُقْدَةِ وأسلوبِ بنائها نُدْرِكُ أنَّ مَنْ بناها كانتْ لديه نظرةٌ ثاقبةٌ ودرايةٌ كبيرةٌ بالحروب، واستقراءٌ لما يدورُ في المنطقةِ من حوادث؛ مما أَهَّلَهُ لأنْ يَجْعَلَ من العُقْدةِ مِـحْوَرًا لكثيرٍ من الأحداثِ التي خلَّد ذِكرَهَا التاريخُ.

وزيادةً في تحصينِ العُقْدةِ فقد بنى علي الجريسي بعد ذلك أربعةَ أبراجٍ تعضُدُ العقدةَ، وهي: بُرْجُ العَبَّادية، وبُرْجُ فَيْدِ عُلَيَّان، وبرج الْـمُطَوَّعِيَّة الشرقي، وبُرْجُ بَصْرِيَّة، وربَطَ هذه الأبراجَ بسورٍ، ثم رَبَطَهَا بأبراجِ العقدةِ مكوِّنًا بذلك خَطَّ حمايةٍ آخَرَ لها، وفي مرحلةٍ لاحقةٍ – وزيادةً في التحصينِ أيضًا – بَنَى عليٌّ كذلك: بُرْجَ البُطِي، وبرجَ فَيْدِ الْـجُمُعةِ الشرقي، وبُرْجَ فَيْدِ الْـجُمُعةِ الغربي، وبرجَ فيد أبي يحيى، وبرجَ الجُمَيْم، وبرجَ فُطَيْمة، وبرجَ سَعِيدة، وربَطَ بين هذه الأبراجِ والأبراجِ السابقةِ بسورٍ واحدٍ يُحِيطُ بالعُقْدَةِ، ونَبْعَةَ، والْـجَوِّ وجميعِ مزارعه. أما برج فيد مطيلب فقد كان إنشاؤه في زمن متأخر عن تلك الأبراج. [انظر الرسم التوضيحي السابق ص69].

وقد استمرَّتِ العُقْدةُ شامخةً حتى عَمِلَ الأتراكُ على هَدْمها في حَمْلتهم على نَـجْدٍ بقيادةِ حُسَيْن بِك عام 1236هـ، ولم يَبْقَ منها اليوم سوى أطلالٍ تَـحْمِلُ في طَيَّاتها وبين أنقاضِهَا تاريخًا مشرِّفًا، ومجدًا أَثِيلًا.