في قَلبِ " ثادِقِ "


أسيرُ على نهجٍ منَ الحُبِّ صادقِ
وأسألُ عنِ تَّاريخِ (أمَّ البنَادِقِ )

وأسألُ عن أعلى (طويق) وحضنِهِ
يضُمُّ رياضَ الحُبِّ ضمَّ المُعانِق

وعن قصّة ( اللَّهزوم) يحتضن المدى
ويكتب للأجيالِ أغلى الوثائق

وعن (فّيضة الوسْميِْ) و (روضة نورة)
وعن ثَدَقِ الأمطارِ فوقَ الحدائقِ

وعن (هضباتٍ) بارزاتٍ كأنَّها
(خنَاصِرُ) كفٍّ حرِّكت شوقَ عاشِقِ

وعن (روضة الخَفسِ) الرَّبيعيَّة الهوى
وعن (بكراتٍ ) مُشرفاتٍ نواطِقِ

أسائلُ عن (بيرٍ ) و(عتك) ورملها
وعنْ هَيف نخلٍ في البساتينِ باسِقِ

وعنْ )رَغْبةٍ) تلقى (رُويغبُ) )حَسْيَها)
فتلقى بإيقاعِ الرضا كلّ طارقِ

سألتُ (أبا الخِرفانِ) لمَّا رأيتُهُ
و(أمَّ سليمٍ) عن صفاءِ العلائقِ

وعن(محمَلٍ) قد كانَ يحملُ بيرقاً
يُرفرِفُ بالإقدامِ بينَ البيَارِقِ

وعن دعوة التَّوحيدِ ترفعُ رايةً
وتنشُرُ دينَ الله بينَ الخلائقِ

ألا سلَّمَ الله البيارقَ حينما
تُرفرفُ بالتَّقوى ورَدْعِ المنافقِ

تُناصِرُ دينَ الله في حَوْمَة الوغى
وتفتَحُ بالإقدامِ كُلَّ المَغَالقِ

سألتُ فما كان الجوابُ سوى رضاً
لقلبي وإحساسٍ بأشذاءِ عابقِ

فيمَّمْتُ وجهي نحو تاريخنا الذي
أرى فيهِ آثارَ الخيولِ السوابِقُ

وقفتُ معَ التَّاريخِ وقفة شاعرٍ
يعيشُ معَ التَّاريخِ عيشَةَ وامِقِ

فلاطفَني حتَّى أَلِفْتُ حديثَهُ
فحدَّثته عنَّا بلهجة واثِقِ

رويتُ لهُ عن شامنا وعِراقِنا
وصنعائنا و الحادثاتِ الطَّوارِقِ

وعن حالِ أقصانا وأحوالِ غزَّةٍ
وأحوازِنا تُصلى بنيرانِ فاسِقِ

وعنْ ناهقٍ كم أنكر النَّاسُ صوتهُ
وقدْ أنكرَ الرَّحمنُ أصواتَ ناهِقِ

يمُدُّ يداً ـ لا أَجَلَّ اللهُ قَطعها ـ
وقدْ أشْعلَتْ في الشَّامِ شرَّ الحرائقِ

يقولُ كلاماً لو أُقيمتْ حُرُوفُهُ
شواهِدَ ، قالت : إنَّه شرُّ مارِقِ

أعوذُ بربي من مكائدِ حِزْبهِ
ومن شرِّ مافي قلبهِ من بوائقِ

فقالَ ليَ التَّاريخُ قولةَ عالِمٍ
خبيرٍ بما يجري على الأرضِ حاذقِ

تمهَّل أخا الشِّعر الأصيلِ فإنَّني
أرى في ظلام الليل لَمْعَة بارِقِ

وأبصرُ من حولِ المغارِبِ واحةً
منَ النُّورِ ، فيها منبعٌ للمشارِقِ

أرى الدَّولةَ الرَّعناء تنهش لحمها
وترسم من أحقادِها وجه حانِق

رأيتُ حصانَ الحقِّ مازال سابقاً
وكم تعشقُ العلياءُ غُرَّةَ سابِقِ

تمهَّل أخا الشعر الأصيلِ فإنَّما
هيَ العُروةُ الوثقى طريقُ التَّوافُقِ

فقلتُ له : أبشر بعينِ بصيرةٍ
ترى ما وراءَ الباب من غَدْرِ سارِقِ

وأبشرْ بسمْعٍ مُرْهفٍ لا يغُرُّهُ
نُعابٌ ولا تُغريهِ أصواتُ ناعِقِ

نعم أيُّها التَّاريخ فالدَّولة التي
تُصارِعُ موجَ الحقِّ دولَةُ غارِقِ

وكيفَ تنالُ النَّصرَ دولةُ ظالمٍ
يعلِّقُ مظلوماً بحبلِ المشانِقِ ؟

وكم غافلٍ بالوهمِ عنْ نُصحِ ناصحٍ
يُعيدُ إليهِ الوعيَ ضربُ المَطَارِقِ

سلِ الأرضَ عن حزمٍ وعزمٍ وهمَّةٍ
وعاصفَةٍ تجتازُ كُلَّ العوائِقِ

وعن ملَّةِ الإسلامِ لمَّا يُقيمُها
ولِيٌّ يرى الإسلامَ خيرَ الطَّرائقِ

أيا ثادِق التَّاريخِ مازالَ في فمي
منَ اللَّحنِ ما يُهديِكِ إحساسَ صادِقِ

هوَ الأدبُ الرَّاقي يمدُّ أمامنا
جُسوراً منَ الأخلاقِ من غيرِ عائقِ

ويمْنِحنا فنَّاً رفيعاً ويبتني
لنَا في رياضِ الحُبِّ أعلى الشَّواهِقِ

فقوَّادنا حسَّانُ وابنُ رواحةٍ
وكعبٌ إلى روضٍ بهيجِ الحدائقِ

تهُبُّ رياحُ الشعر شرقاً ومغرباً
بما في حنايا القلب من نبضِ خافقِ

فلا تسألِ الأزهار عن طيب نشْرِها
يُحرِّكُ شوقاً في قلوبِ العواتِقِ

أتيتُ وفي شعري رحيقُ مشاعري
وفي بيت شعري زاهياتُ النَّمارِقِ

سألتُ وأكثرتُ السؤالَ لأنَّني
أُفتِّشُ عن معنى الرِّضا و التَّوافُقِ

فجاوبّني صوتٌ يفيضُ مهابةً
تمهَّلْ فأنتَ الآن في قلبِ "ثادِقِ "

عبدالرحمن بن صالح العشماوي
الرياض ١٤٣٦/٧/٢