بعض الأحداث في عهد الأمير علي الجريسي


يُفِيدُ بَعْضُ كِبَارِ السِّنِّ في البلدةِ: بأنَّه قد حَصَلَتْ بين القاضي وبين أنصارِ الدَّعْوَةِ مواجهاتٌ عنيفةٌ في البلادِ السُّفْلَى، وابتُلِيَ بعد ذلك أنصارُ الدَّعْوَةِ ابتلاءاتٍ متتاليةً؛ فقد ذَكَرَ ابنُ غَنَّامٍ في حوادثِ سَنَةِ 1165هـ: أنه «اجتَمَعَ أَهْلُ سُدَيْرٍ والوَشْمِ، وجَرَّدُوا معهم آلَ ظَفِيرٍ، واتَّجَهُوا إلى «رَغْبَةَ»، وكان أهلُهَا قد اهتَدَوْا إلى التوحيد، فحَصَرَتْهُمْ تلك الجُمُوعُ في البَلَدِ أَيَّامًا، فجَنَحَ بعضُ أهلها إلى الضلالِ، فأَدْخَلُوا تلك الأجنادَ، فنَهَبُوا تلك الأموالَ، ولكنَّ اللهَ حَقَنَ دماءَ الْمــُسْلِمِينَ» ، وصَمَدَ عليٌّ الجريسيّ ومَنْ مَعَهُ أمامَ أعدائِهِمُ المتربِّصين بهم السوءَ مِرَارًا؛ ففي عام 1171هـ حين عَزَلَ الإمامُ محمَّد بن سعودٍ: مباركَ بنَ عَدْوَان عن إمَارةِ حُرَيْمِلاء، وعَيَّنَ بَدَلًا عنه حَمَدَ بنَ ناصرِ بنِ عَدْوَان، سعى مباركٌ للاستيلاءِ على بلدة حُرَيْمِلاء عَنْوة، وناصَرَهُ في تمرُّده ذلك بعضُ أعداءِ الدعوةِ، المناوئين لها، وعلى رأسِهِمْ قاضي البَلْدَة، الذي كان مِنْ «أَلَدِّ أعداءِ الدَّعْوة» ، والذي بَلَغَتْ به عداوتُهُ إلى حَدٍّ جَعَلَهُ يُزَوِّرُ في قَصِيدَةِ الصَّنْعَانِيِّ التي مَدَحَ بها الشيخَ محمَّد بن عبد الوهَّاب، فأَقْحَمَ فيها بعضَ الأبياتِ، وكان مِمَّا أَقْحَمَهُ ما يلي:

َجَعْتُ عَنِ النَّظْمِ الَّذِي قُلْتُ في النَّجْدِي فَقَدْ صَحَّ لي عَنْهُ خِلَافُ الَّذِي عِنْدِي

وحين باءتْ محاولتُهُمْ بالإخفاقِ، هَرَبَ "مُبَارَكٌ" من البَلْدَةِ، وهَرَبَ معه "مِرْبَدٌ" وآخَرُونَ، وكان مَسِيرُ مِرْبَدٍ إلى رَغْبَةَ؛ «فأَمْسَكَهُ أميرُهَا عليّ الْجريسيّ، فقتَلَهُ» ؛ وما ذلك إلا لأنَّ مِرْبَدًا قد تَمَادَى كثيرًا في تَشْوِيهِ الدَّعْوةِ وتَشْوِيهِ سُمْعَةِ القائمين عليها؛ فكان قَتْلُهُ انتصارًا للدعوةِ وأَهْلِهَا.

أمَّا «مُبَارَكُ بن عَدْوَانَ»: فإنَّه قَصَدَ الصُّفُرَّةَ، ومنها سار إلى بلدِ الْمـَجْمَعَةِ عند حَمَدِ بنِ عثمان رئيسِهَا، وطلَبَ منه النُّصْرَةَ ضِدَّ أهلِ حُرَيْمِلاء، واستطاعَ أنْ يَجْمَعَ حولَهُ عددًا مِنْ رجالِ القبائلِ؛ فساروا مَعَهُ بِشَوْكَتِهِمْ قاصدين حُرَيْمِلاءَ، ونَزَلُوا الفُقَيـْرَ قربَ بلدةِ "رَغْبَة"، وبَقُوا عليه أيَّامًا، وحين عَلِمُوا بوصولِ عبدِ العزيزِ ابنِ الإمامِ محمَّدِ بنِ سُعُودٍ إلى حُرَيْمِلاء، ودخولِهِ إليها -: خارتْ عزيمتُهُمْ، «وعَدَلُوا إلى بَلْدَةِ "رَغْبَة"، ونَزَلُوهَا، وحَاصَرُوا عليًّ الجريسيَّ في قَلْعَتِهِ هو وأصحابَهُ، وصَرَمُوا نخيلَهُمْ وهو الـْجَوُّ المعروفُ، وقُتِلَ راضي بنُ مُهَنَّا بنِ عُبَيْكَة ... ثُمَّ إنهم بعد ذلك ارتَحَلُوا عنهم، ورَجَعُوا إلى أَوْطَانِهِمْ، فسارَ عبد العزيز رحمه الله مِنْ حُرَيْمِلاء إلى "رَغْبَة"، فلَمَّا نَزَلَهَا، هَدَمَ مَنَازِلَ أهلِ الْـحَزْمِ، وجَزَّ نَخِيلَهُمْ، وأعطاها الجريسيَّ وأهلَ حِلَّتِهِ؛ وذلك لأنهم – أي: أهلَ الْـحَزْمِ – لهم سَرِيرةٌ مع عَدُوِّ المسلمين، ويُحِبُّونَ زوالَ الجريسيِّ عَلَى يَدِ غَيْرِهِمْ، لَمــَّا عَجَزُوا عن إزالتِهِ» .

وما كان تنكيلُ عبدِ العزيزِ ابنِ الإمامِ محمَّدِ بنِ سُعُودٍ بهم إلا لأنَّهم خَذَلُوا أميرَهُمُ الذي كان ينبغي عليهم معاونَتُهُ في رَدِّ الاعتداء، وقد أَلْزَمَهُمْ عبدُ العزيزِ بأداءِ صلاةِ الـْجُمُعَةِ مع أَمِيرِهِمْ علي الجريسيّ في «العُقْدَة».